Status             Fa   Ar   Tu   Ku   En   De   Sv   It   Fr   Sp  

ماذا يقول العمال الشيوعيون؟



من هم الشيوعيون، وماذا يقولون؟ يشير الكثيرون في ردهم على هذا السؤال الى احزاب وجماعات سياسية تطلق على نفسها رسمياً اسم شيوعي، وتقوم بنشاطها تحت هذا الاسم.

من المثير انه اذا وجهت هذا السؤال كذلك لهذه الاحزاب نفسها، ستعطيك الرد ذاته. ان الشيوعية، بتصورها، هي فئة ايديولوجية وسياسية تضم جماعات مختلفة، وان الشيوعيون هم اعضاء هذه الفئة وهذه الجماعة. ويعمق الراسماليون وحكوماتهم ايضاً هذا التصور الفئوي للشيوعية. ان المعنى العملي لكل هذا هو ان الشيوعية ظاهرة هامشية في المجتمع. ليس بوسع الانسان العادي ان يكون شيوعياً. ان الشيوعية ليست تيار موجود في رحم المجتمع، بل مكتب وحركة حزبية لاناس يسعون لزرق المجتمع الان بعقائد وسبيل وتقاليد خاصة.

ان المصلحة التي تتعقبها الطبقات الحاكمة من تعميق هذا التصور جلية جداً. ان تصوير الشيوعية كفئة هي الخطوة الاولى لقمعها. ولكن، نظراً لكون الشيوعية ليست فئة، بل حركة اجتماعية عظيمة تستمد وجودها من رحم المجتمع الراسمالي، فان المساعي الهائلة للحكومات الرجوازية المسلحة حتى قمة راسها لم تتمكن على امتداد عقود من قمع هذا الذي يعدّوه "فئة" حتى الان، ولازالت مجابهة الشيوعية ايضاً هي المعضلة الاساسية للراسمال والمجتمع الراسمالي. انه امراً لاينبع من فراغ ان يضع اي من حملة السكاكين وحاملي السياط لهذه الطبقة على عاتقه مسؤولية تنظيم الحكومة البرجوازية، وبغض النظر عما كان يعتمر عمامة او ربط عنق، يظهر فوراً كمتخصص في النضال ضد الشيوعية.

الشيوعية ميل اجتماعي، مثل القومية والليبرالية وغيرها بالضبط، تتشكل في المجتمع نفسه ويعاد انتاجها دوماً. ان اساس ومركز وجود وتنامي الشيوعية هو الطبقة العاملة والنضال الدائم والمستمر لهذه الطبقة ضد الراسمالية والاوضاع المليئة بالمشقات التي يفرضها هذا النظام على الكادحين الذين يمثلون الاغلبية الساحقة للمجتمع. ان الشيوعية ليست مكتب ابتدعه ماركس وانجلز. من الزاوية التاريخية، الشيوعية تيار احتجاجي، تشكلت وظهرت قبل ماركس في اوربا اواخر القرن الثامن عشر واوائل القرن التاسع عشر. كان اساس هذه الشيوعية العمالية، التي مايزت نفسها عن مجمل المكاتب والتيارات شبه الاشتراكية للطبقات المالكة ، هويتها العمالية واحتجاجها على الملكية البرجوازية لوسائل الانتاج بوصفها علة علل مصائب الجماهير العمالية. حين تم نشر البيان الشيوعي لماركس وانجلز في عام ١٨٤٨، كانت الشيوعية العمالية موجودة كتيار نضالي واحتجاجي حي. اذ استمد البيان الشيوعي اسمه من هذه الحركة الشيوعية العمالية على وجه الدقة. لقد سلحت الماركسية هذه الحركة الاحتجاجية بنقد عميق للمجتمع الراسمالي وبفهم وادراك واضحين لافق الثورة العمالية. تحولت الماركسية، وبسرعة، الى نظرية ورؤية هذا الصف الاجتماعي والى راية الشيوعية العمالية. تحت راية الماركسية، تحولت الشيوعية العمالية الى قوة عظيمة في الساحة السياسية والتي كانت فعالياتها العمالية الاممية والثورة العمالية لروسيا في ١٩١٧ تجليات لها.

تحولت الشيوعية العمالية الى جزء لايتجزأ من الحركة العمالية في كل البلدان الراسمالية. واينما يجري احتجاج عمالي، تزيد البرجوازية من حدة شمها فوراً بحثاً عن الشيوعيين. وانى ياتي اسم الماركسية، حتى لوكانت هذه الماركسية شبة ماركسية لمثقفي الطبقة الحاكمة نفسها، تقوم البرجوازية بمحاصرة امنية لمعامل العمال وتضغط باياديها على اذان العمال كي لايسمعوا. رغم هذا نشهد ما ان يتصاعد الاحتجاج العمالي، فان همهمة الموت للراسمالية وعاشت الحكومة العمالية تتصاعد بين العمال. ان اي عامل يفكر بتغيير وضعه ووضع طبقته، يتعقب فوراً كتب وكراريس ماركس ولينين. ان البرجوازية تعد هذا "مؤامرة وتحريك الشيوعيين". ولكن في الحقيقة ليس هناك اي ربط بموضوعة المؤامرة. الشيوعية تقليد نضالي داخل الطبقة العامل، طيف ملحوظ من العمال. ان اؤلئك الذين يستلمون الاجور، ويعملون وتصب نتيجة عملهم في اتساع جيب الراسماليين، هم انفسهم الشيوعيين.

على الصعيد العام، الشيوعية هي ذلك الميل في الحركة العمالية الذي يتعقب اتحاد العمال في اي وضع كان. يفضح ويعري اساس حرمانات ومشقات الطبقة العاملة، اي النظام الراسمالي والملكية البرجوازية. ان نضال الطبقة العاملة موجود في كل لحظة، ويطرح في الوقت ذاته الافق العمومي للثورة العمالية امام العمال. انه نشط وفعال في نضال اي قسم من الطبقة وفي الوقت ذاته يضع نصب عينيه مصلحة الطبقة برمتها. انه ذلك التيار الذي ينشد اجتثاث كل العبودية المأجورة ومجمل قدرة الرأسمال، ويعد العمال للعب هذا الدور. اذا خَفَّتْ البرجوازية انيابها ليوم واحد من اعناق العمال، سيرى الجميع كيف ان الاف والاف من العمال سيقولون ذلك بصراحة ووضوح مابعده وضوح جريئين. بيد ان رؤية عمق وسعة هذه الشيوعية الحية للعمال لايستلزم حلول ذلك اليوم. ان الاشتراكية التي ضربت جذورها بعمق في الطبقة العاملة تنعكس بوضوح في يومنا هذا في نمط ولسان الجماهير العمالية وقادتها اللتان تستخدمان في اكثر احتجاجاتهم جزئية.

الشيوعية ميل عمالي حي وعظيم النفوذ، لديه قسم واسع من القادة العمليين وقادة الحركة الاحتجاجية معه حتى دون ان يكون هؤلاء اعضاء منظمات شيوعية بالضرورة. بيد انه ليس الميل الوحيد داخل الطبقة العاملة. ان الطبقة العاملة والحركة العمالية هما مركز ميول سياسية ونضالية متعددة. ان الاوضاع والمسائل الاقتصادية للطبقة العاملة، الاوضاع السياسية للمجتمع، صراع الاحزاب السياسية ومجمل التاريخ المعاصر للمجتمع تصيغ ميول وتيارات سياسية مختلفة داخل الطبقة العاملة. الفوضوية، الاصلاحية، النقابية، القومية وغيرها تؤثر جميعاً على الطبقة العاملة وتخلق استقطابات داخل الطبقة العاملة. وعليه، لرسم الملامح السياسية والنضالية للعمال الشيوعيين والشيوعية العمالية من الضروري جداً تحديد اختلافات الميل الشيوعي والراديكالي عن سائر الميول ايضاً. وهنا تجد الاختلافات لا على صعيد الامال والافاق معناها، بل على صعيد الفعالية والنضال اليوميين، الشعارات والتكتيكات النضالية، المطاليب السياسية والاقتصادية، الاساليب النضالية وفيما يخص المواقف المتعلقة بالمسائل الاساسية للحركة العمالية وغيرها.

على امتداد السنوات الاخيرة، وبالاخص فيما يتعلق بالسياسة التنظيمية للحزب داخل الطبقة العاملة، تحدثنا ولمرات عن الميل الراديكالي-الاشتراكي في الحركة العمالية. لقد اكدنا على ان صياغة حزب شيوعي عمالي ومقتدر مرهون بتنظيم وتوحيد وتقوية هذا الميل داخل الطبقة العاملة. ان جزء من هذا النضال، مثلما ذكرنا سابقاً كذلك، هو السعي لتوعية هذا الطيف من العمال وتحويله الى تيار نضالي حي يعرف جيداً اختلافاته مع سائر التيارات داخل الطبقة العاملة ويحدد بوضوح شعاراته وتكتيكاته في الحركة العمالية.

ان سلسلة البرامج التي ستُبَثْ اسبوعياً من الان فلاحقاً تحت عنوان عام "ماذا يقول العمال الشيوعيون" تتعقب الهدف ذاته. سنسعى في هذه البرامج التي ستشمل احاديث، مقابلات، بث اشرطة ندوات حزبية وغيرها الى رسم الملامح السياسية والنضالية للشيوعية العمالية وطيف العمال الاشتراكيين والراديكاليين في الميادين المختلفة. ستشمل طيف واسع من القضايا: من الاسس الفكرية لهذا التيار الى تكتيكاته في الحركة العمالية تمايزاً ومقارنة بسائر الميول والاحزاب الفعالة في الحركة العمالية. ماذ يقول العمال الشيوعيون عن الثورة والحكومة العمالية، ماهو موقفهم من الجمهورية الاسلامية، واي نوع من الحكومة يجب ان تكون، ماذا نقول حول النضال الاقتصادي، النضال من اجل الاصلاحات والتحسين الفوري لاوضاع العمال، ماهو راينا بالمنظمات الجماهيرية للعمال، المجالس، النقابات، التجمع العام والصناديق العمالية وغيرها. ماهو مكانة النضال القانوني والعلني لدى الشيوعية العمالية. ماذا نقوم به عند النضال من اجل قانون العمل. ماذا يجب ان نقوم به تجاه المجالس الاسلامية، ماذا نقول بصدد ضمان البطالة. ماهي مكانة التنظيم الحزبي بالنسبة للعمال الشيوعيين، وباية اشكال يتم تنظيم النشاط الحزبي، ماهي ضوابط اتحاد العمل مع سائر الميول. هذه ومسائل متعددة اخرى على هذه الشاكلة هي مواضيع بحث هذه السلسلة من البرامج.

سيتناول كل برنامج موضوع مستقل ويمكن الاستفاده منه بصورة مستقلة. ان كل من هذه البرامج سيتم نشرها بصورة منفصلة على شكل مقالات وكراريس في جرائد الحزب. وينبغي ان توضع بابتكار رفاق الحزب في جدول اعمال بحث ومطالعة حلقات العمال المناضلين.

منصور حكمت


* ان هذه المقال تم بثه لاول مرة تحت عنوان "تعريف باحد برامج اذاعة صوت الحزب الشيوعي الايراني، وتم نشرها لاحقا في جريدة كومونيست، لسان حال الحزب الشيوعي الايراني، السنة السادسة، العدد ٥٣، ايلول-سبتمبر ١٩٨٩.


ترجمة: فارس محمود
hekmat.public-archive.net #3090ar.html