Status             Fa   Ar   Tu   Ku   En   De   Sv   It   Fr   Sp  

قوّتان عظمتان

المواجهة بين امريكا والعراق


إن المواجهة الأخيرة بين أمريكا والنظام العراقي هي حقاً قصة من دون أبطال. فقط شخوص أحدهما أكثر كراهية وإثارة للإشمئزاز من الآخر.

من جانب،القوة الوحيدة للعالم،اكبر وكيل للعالم،هو صاحب السجل الأكثر عداءً للانسانية. أن نزع أسلحة الدمار الشامل والقتل الجماعي هو عمل حياتي وذو قيمة غير متناهية، ولكن شرط أن يتذكر المرء إن نفس امريكا هي الطرف الوحيد الذي قام بإستخدام السلاح النووي ضد الجماهير خلال التاريخ السابق وحتى الآن، وحول مدينتين وبظرف ثوان الى رماد برياض أطفالها ومساكنها وعشرات الالاف من ساكنيها العزل الابرياء. فيتنام ما زالت تئن آثار الضربات الكيمياوية الأمريكية. وفي الجانب الآخر، هناك واحد من أقسى وأقذر الأنظمة السياسية في العالم. انه نظام صدام حسين وطارق عزيز وشركائهما،الذي يظهر نفسه أمام الرأي العام كضحية للظلم، نظام القمع والاعدامات والتعذيب. أن هؤلاء مرتكبوا ومنفذوا المجازر الكيماوية في حلبجة. ان أول خطوة لجماهير العراق بأتجاه التحرر والخلاص من أجل حياة انسانية تبدأ باسقاط حكومة الارهاب والقمع هذه.

فالمواجهات الاخيرة بين امريكا والعراق هي مراحل ضمن عملية رفع الحصار الاقتصادي عن العراق. من الواضح ان الغرب لن يرفع الحصار(فجأة)هكذا ودون ضجيج ودون محاولات العراق.ان هذه النزاعات هي المقدمات الضرورية لرفع الحصار،وهذا يأتي في ظروف لاتتفق فيه امريكا ببساطة مع هذه الخطوة.

ان تراجع امريكا في هذه المرحلة الأخيرة ليس نتيجة لحجج العراق ونشاطاته في مجال العلاقات العامة ولايعود الفضل للانسانية والاصلاحية المحدثة في روسيا وفرنسا والصين. فخلف النشاطات الدبلوماسية لمختلف الدول من أجل تجنب المواجهة العسكرية، يمكن مشاهدة ضغط ودور قوة أعظم، ضغط القوة الواقعية الوحيدة لمرحلتنا، وهذه القوة كانت القوة العالمية للانسانية والقوة المقتدرة لجموع الجماهير الكادحة. انها القوة التي منعت امريكا من الخوض في ممارسة عسكرية وحشية جديدة. لقد أفهم العالم كلنتون والبرايت وامثالهما والكثير من الصحفيين المأجورين من قبل الهيئات الحاكمة في امريكا، إنه لن يتحمل بعد سحق الجماهير المحرومة في العراق هذا. ليس هذا فحسب، بل يطالب بإنهاء كابوس السبع سنين من الحصار الاقتصادي المفروض على الجماهير.

وطبقاً لقول أحد المشاركين في تظاهرة معادية لامريكا، ان الحصار الاقتصادي هو أكثر أسلحة الدمار الشامل والقتل الجماعي فتكاً، السلاح الذي استخدم لمدة سبع سنوات يوماً بعد يوم ضد اطفال العراق ووصلت ضحاياه الى الملايين حتى الآن. لقد فهمت أمريكا والغرب أن قصف جماهير العراق وإعادة تدمير معامل الحليب والجسور على نهر دجلة وشبكات المياه الشرب على اعتبارها(عوامل مساعدة في الاحتواء المزدوج) ستؤدي الى اشعال موجات واسعة معادية لامريكا في المنطقة، والتي ليس لـ (القوة العالمية الوحيدة) قدرة على مواجهة نتائجها.

يجب رفع الحصار الاقتصادي فوراً عن العراق، ويجب ازالة التهديد العسكري الامريكي والى الابد عن جماهير المنطقة. ان الوحشية والهمجية الغربية، وعلاوة على المصاعب والمشقات الاقتصادية الهائلة التي تلقي بها كاهل جماهير العراق، فانها تخدم بقاء النظام الرجعي في العراق. وفيما يتعلق بالنضال من أجل خلاص وتحرر جماهير العراق، فان كلنتون وصدام حسين هما خصمان في خندق ومعسكر واحد.


منصور حكمت

نشر هذا المقال في جريدة "ايسكرا" العدد ٣٣ ابريل-نيسان ١٩٩٨


ترجمة: يوسف محمد
hekmat.public-archive.net #2200ar.html