Status             Fa   Ar   Tu   Ku   En   De   Sv   It   Fr   Sp  

عواقب أحداث الاتحاد السوفيتي *

حوار جريدة "عامل اليوم" مع منصور حكمت


عامل اليوم: كان الانقلاب في الاتحاد السوفيتي أخر واعنف مواجهة لقوى رأسمالية الدولة بوجه اقتصاد السوق، وقد جاء بنتائج هي عكس ما كان يقصد الانقلابين من وراءه. وقد فتح مجالا واسعا أمام أقلية يمينية متطرفة و مقهورة إلى حد توقف معه حتى نشاط الحزب الشيوعي السوفيتي وطرح مسالة منع العمل الشيوعي في هذا البلد بشكل جدي، هل يبين هذا برأيكم التوازن الراهن للقوى الاجتماعية في الاتحاد السوفيتي؟

منصور حكمت: لأتحدث في البداية عن نقطة متعلقة باليمين واليسار في ميدان السياسة السوفيتية في هذه الأيام، لقد تغير المعنى الشائع لهذه العبارات بالشكل الذي تغير به معنى كلمة الإصلاح والثورة في عهد ريغان و تاتشر، و بعد ذلك، وخاصة مع تغيرات المعسكر الشرقي، بشكل ظاهري، يطلق المفسرون الغربيون تسمية الجناح اليميني على مؤيدي النظام السابق بسبب هذا التأييد بالضبط، وتسمية الجناح اليساري على مؤيدي اقتصاد السوق بسبب المطالبة بتغير النظام السابق. وقد سمي فصل العمال وإلغاء الضمانات الاجتماعية بالإصلاح، ورفع راية روسيا القيصرية بالثورة. وعلى كل حال، يبدو أننا يجب، لهذا السبب، أن نستفيد من عبارة أخرى حول الاتحاد السوفيتي.

ولكن حول السؤال عما إذا كانت أوضاع بعد الانقلاب وبقاء الجناح المؤيد للسوق بلا منازع تبين توازن القوى الاجتماعية السوفيتية بصورة صحيحة؟ الجواب باعتقادي، نعم.. ولا، فمن جهة، يبين هذا الوضع الاندحار الأيديولوجي والسياسي النهائي للقوى المؤيدة للنظام السابق في الاتحاد السوفيتي. وبشكل آخر، يبدو أن هذا انعكاس صحيح، بأية حال، لتوازن القوى الراهنة في الميدان السياسي والأيديولوجي. ولكني لا اعتقد بأن النتائج الاقتصادية لهذا الانتصار الأيديولوجي والسياسي للجناح المؤيد للسوق قد توضح تماما حتى الآن للجماهير الواسعة من الشعب السوفيتي والطبقة العاملة بشكل خاص، أو أن ما توضح حتى الآن سيكون مقبولا. أن جماهير العمال والكادحين المعترضين، من الناحية الاقتصادية، بالرغم من كونهم غير متوهمين بالنتائج الاقتصادية لسلطة السوق، ألا أنهم ينبرون للدفاع عن النظام السابق بشكل واسع. أن هذا النظام أندحر سياسيا من وجهة نظر المجتمع بشكل عام، ولكن لا يبدو بأن تعرض المستوى الضئيل من الأمن الاقتصادي الذي كان يتمتع به العمال وجماهير الشعب السوفيتي في ظل النظام السابق والذي سيتعرض للخطر في نظام اقتصاد السوق، سيدفع بهم إلى المعسكر المعادي للانقلاب. ولهذا السبب، فأنهم لا يهلهلون في الشوارع جنبا إلى جنب القوميين ومؤيدي اقتصاد السوق بل يتخذون موقع الأكثرية الصامتة. بهذا المعنى، فأن الانتصار السياسي الملموس والواقعي للاتجاه المؤيد للسوق لا يعكس التوازن الاكثر جذرية لقوى اجتماعية واقتصادية في المجتمع السوفيتي. ولكن يمكن رؤية هذا التوازن الاكثر جذرية للقوى في الميدان، حينما تبلغ هذه الفترة من التغيرات السياسة نتائجها. أنني اعتقد بأن الجناح المسمي بالمحافظ ليس له أي مصير، من الناحية السياسية، سوى الاستسلام للاتجاهات السياسة الحالية. وقد يلجأ أثناء سكرات موته إلى محاولة أخرى، وبرأيي، فأن الجناح المقابل سينتصر عليه بسهولة.

عامل اليوم: مع فشل الانقلاب، نظمت مرة أخرى حملة دعائية على المستوى العالمي ضد الشيوعية والأفكار الشيوعية، وأعلن محللوا وسائل الاعلام موت الشيوعية. ما هي المعضلات التي ستواجه الشيوعية برأيكم في العقد المقبل؟

منصور حكمت: أن الحملة الراهنة التي نشهدها ضد الشيوعية هي أكبر كثيرا من حملة دعائية. تسعي البورجوازية اليوم لتحقيق الكثير من الانتصارات الهامة ضد الشيوعية والطبقة العاملة العالمية. أنه لمن المؤسف، وفي الواقع مهزلة تاريخية مرة، في أن يكون تراجع قطب رأسمالي ونموذج سياسي ـ اقتصادي بورجوازي السبب والغطاء الذي يشن هذا الهجوم على أساسه. فقد كان نفس وجود كتلة رأسمالية الدولة في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية عائقا وقيدا أساسيا امام تطور الشيوعية والثورة العمالية العالمية. واليوم فأن تراجعها خلق أيضا ظروفا لممارسة ضغوط سياسية وأيديولوجية اكبر على الطبقة العاملة. لقد تضررنا نحن الشيوعيين من ظهور هذه الكتلة ومن تراجعها أيضا. وقد تنبئنا منذ المؤتمر الثالث (للحزب الشيوعي الإيراني) في شباط (١٩٨٩) بهذه الوضعية كنتيجة حتمية لانهيار الكتلة الكتلة الشرقية للجناح البرجوازي، وقلنا بغض النظر عن المحتوى الرأسمالي للكتلة الشرقية، فأن انهيار هذه الكتلة سيؤدي إلى حملة واسعة ضد الشيوعية الواقعية وحركة الطبقة العاملة لأن هذا التراجع لم يأت نتيجة تقدم الشيوعية العمالية، بل بسبب هجمة اليمين الجديد.

انه من السابق لاوانه ان يزعق قادة البرجوازية والناطقين باسمها بموت الشيوعية. أن الشيوعية ليست ايقونة أو مجموعة تماثيل ميتة، أو حتى نموذج سياسي واجتماعي. أن الشيوعية ليست أيديولوجيا، بل حركة انتقادية اجتماعية. أن المضامين الأساسية التي تسعي أليها هذه الحركة لا يمكن أن تزال طالما وجد المجتمع البشري. أن الشيوعية هي حركة مساواة الأفراد وسيادة الإنسان على حياته الاقتصادية والسياسية. الشيوعية هي حركة من اجل التحرر من الخرافة، الشيوعية هي حركة من اجل الحرية وحرية التفكير. أن الشيوعية هي حركة العامل التحررية في المجتمع الرأسمالي. أن زوال الشيوعية ليس امرا مستحيلاً بشرط أن تقوم الرأسمالية بتدمير كل الكرة الأرضية بشكل عام، او أن تقوم بإزالة موضوع النقد الشيوعي وكذلك إزالة القوى الاجتماعية المطالبة بالمساواة في المجتمع تماما. ومن الواضح أن هذا الاحتمال ليس قليلا. ولكن طالما وجد المجتمع بشكل واقعي، فان التيار المحوري في نقده النظري والاجتماعي سيكون الشيوعية والطبقة العاملة.

لقد أشار رئيس تحرير نشرة (نيو لفت ريفيو) مؤخرا في مقابلة مع إذاعة ألـ(بي‌بي‌سي) إلى بقاء هذا الهدف، ألا أنه رأي في نفس الوقت احتمال استمرار هذه الأفكار باسم يختلف عن الاشتراكية وفي إطار يختلف عن الماركسية. وبغض النظر عن كوني شخص ماركسي تماما، ولكني كفرد ينظر إلى المجتمع والياته كظاهرة موضوعية، لا أفكر بهذا الشكل. أن الفكر الماركسي موجود، على أية حال، بشكل منقح ومكتوب. أن الحركات الاجتماعية تمد يدها إلى التراث الفكري البشري الموجود حتى الآن وتأخذ منها ما تحتاجه وتضعه في خدمتها. مع توسع الاعتراض العمالي ضد الرأسمالية، فأن الماركسية ترفع مجددا كاشمل بيان للنقد والثورة العمالية على صعيد اجتماعي. أن شطب ماركس والماركسية من تاريخ الفكر الثوري والداعي للمساواة ومن تاريخ نقد الفلسفة والاقتصاد البرجوازيين، ليس بوسع أمثال بوش وغورباتشوف ويلتسين ومدراء وأصحاب البنوك المتقاعدين في مجلة الاكونوميست، و ليس بوسع أحد. علاوة على ذلك، فأنه ورغم كل الزعيق المعادي للماركسية اليوم، فأن مكانة الماركسية والاشتراكية، بمعناهما العام، لم يتدهور في صفوف الطبقة العاملة في نفس أوروبا الغربية والعالم الصناعي إلى الحد الذي يدعون.

برأيي، أن الشيوعية والماركسية هي اليوم تحت ضغط جدي. ليس في هذا شك. ولكن هذه الأوضاع ليست أبدية. أشرت، قبل عام ونصف وفي العدد الأول من نفس هذه الجريدة (عامل اليوم) (ويقصد مقابلة الجريدة لمنصور حكمت والتي نشرت تحت عنوان تحولات اوربا الشرقية وافاق الاشتراكية العمالية-م) إلى أن عقد التسعينات وعالم ما بعد الحرب الباردة لن يكونا عالم السلام والسعادة في ظل السوق. أن الحركات الاجتماعية تسير نحو ميدان الصراعات التاريخية الحاسمة مرغمة لان النظام السابق انهار ككل من الأساس. أن التغيرات التي حصلت في السنة الأخيرة، تمثل بداية لبروز صراعات طبقية اكثر جلاءا وذات سمة سافرة اكثر. ويزف دور عرض الشيوعية العمالية لنفسها على صعيد اجتماعي. وبرأيي، ان مراكز شيوعية عمالية تستطيع اليوم أن تتفائل، في حالة وقوفها بوجه هذا الضغوطات، بان دورنا في الهجوم على صعيد اجتماعي سيتحقق خلال هذا القرن أيضا.

عامل اليوم: ما هي الآثار التي يتركها هذا الحدث على مسار تكون عالم متعدد الأقطاب: أوروبا،اليابان وأمريكا والذي مر بوقفة نتيجة لحرب الخليج؟

منصور حكمت: برأيي، أن المسارات الموجودة اجمالاً، مع سرعتها ومداها الراهنين، ستضعف أمريكا في المطاف الاخير تجاه أوروبا والأقطاب الصناعية الأخرى. لا توجد لدى أمريكا من الناحية الاقتصادية، مقارنة بأوروبا واليابان، أرضية الاستفادة من أسواق الاتحاد السوفيتي المجزئة. أن تجزئة الاتحاد السوفيتي السياسية، ستوسع الجغرافيا السياسية لأوروبا، وستصطف مجموعة أوسع من البلدان الصناعية وشبه الصناعية بمستوى روسيا وأوكرانيا حول مشروع ألمانيا وفرنسا لأوروبا الموحدة. أن مشروع المجموعة الأوروبية لوقف إطلاق النار حول صراعات يوغوسلافيا الداخلية ومسألة إرسال قوة أوروبية للمحافظة على السلام تكشف بذاتها الأرضية المادية لانفصام أوروبا العسكري عن أمريكا. اعتقد أن وجود قوة عظمى تم اضعافها ومن الدرجة الثانية تعترف بالسلطة العامة لأمريكا على الصعيد العالمي السياسي، كان أمرا اكثر فائدة لبقاء تفوق أمريكا عالميا. أن تفكك الاتحاد السوفيتي قد زاد من إمكانية بروز قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية اكبر بشكل اتحاد أو ائتلافات في إطار أوروبا.

عامل اليوم: مع تثمين دور منظمة الأمم المتحدة في الخليج، برز في البيان الختامي للاجتماع الذي عقد مؤخرا لمسئولي الدول المسماة (الدول الصناعية السبعة الكبرى في العالم) مسألة (عدم التردد في اللجوء إلى عمليات مشابهة في المستقبل إذا دعت الحاجة)، وفي هذا الاجتماع، تقوى أيضا الرأي الذي يدعوا إلى التدخل الفوري لمنظمة الأمم المتحدة عسكريا في أي مكان يحدده مجلس الأمن ويرى فيه نشوء أوضاع معينة، كالتجاوز على حقوق الإنسان، تهدد السلام العالمي. بل كثر الحديث حول أحداث تغيرات في لائحة الأمم المتحدة لصالح هذا الرأي. إلام يهدفون برأيكم، الى يعني هذا بأنهم يقصدون الهجوم على اي ثورة عمالية في العالم؟

منصور حكمت: لا اعتقد بكون الثورات العمالية، على الأقل في المستقبل المنظور، عاملا أساسيا في حساباتهم الراهنة. أن كل هذه التدخلات موجهة نحو أي خرق لطروحات القوى العظمى المتفق عليها حول تنظيم أوضاع العالم السياسية والاقتصادية. وفي خضم هذا، فانهم سيواجهون الحركات الاجتماعية الراديكالية وخاصة الحركات العمالية اعنف مواجهة. ولكن الواقع هو انه مع زوال قطبي الغرب والشرق والذي كان يفسح مجالا لعرض وجود الحركات الاشتراكية بين الحين والآخر، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فأنه مع التقدم الذي أحرز حتى الآن ضد الشيوعية والماركسية، فأنهم لا يرون في الثورات العمالية خطرا رئيسيا في اللحظة الراهنة. أنا اعتقد بأن هناك مسائل معينة اكثر فورية، وآلتي من المقرر أن ترد عليها هذه التدخلات السافرة. كتوجيه وتنظيم كتل البرجوازية المتعددة على الصعيد العالمي، وتأديب الدول البرجوازية المارقة في العالم الثالث، حسم مصير الأماكن المتبقية حتى الآن ككوبا وكوريا الشمالية، التدخل في الصراعات القومية بعد تفكك الكتلة الشرقية وأشياء أخرى من هذا القبيل. وعلى هذا الأساس، فأن المعنى العملي لهذا المسار هو نفس ما ذكرته أنت من منظور الشيوعي والعامل المعاصرين. أن الثورة العمالية، وأينما حدثت، ستواجه رأسا خطر التدخل المباشر لكل القوى العسكرية البرجوازية في العالم.

ولكن لا ينبغي المبالغة في قدرتهم العملية على قمع الحركات الراديكالية والعمالية، وحتى في أرساء نظام بين الدول البرجوازية. لقد كشفت أحداث العراق (وقصده حرب الخليج-م) عن عجز هؤلاء. حيث كان يكفي وجود ثلاثة مراكز أخرى في وقت واحد في العالم، بدل مركز واحد، أي الخليج، لتتعقد فيها الأوضاع سوية، أو كان يكفي بروز مشاكل اكبر بين الحلفاء، ليظهر عجز مؤسساتهم القمعية.

عامل اليوم: مع اخذ هذه المسائل بنظر الاعتبار، ماذا ستكون عليه استراتيجية الثورة العمالية؟

منصور حكمت: برأيي، أن هذا الوضع يؤكد اولاً على ستراتيجية الثورة العمالية من المنظور الكلاسيكي للشيوعية. أن الأممية يجب أن تتجاوز إظهار التعاطف القلبي وأن تتحول إلى اصطفاف مادي وسياسي نضالي على الصعيد العالمي. لو كانت هنالك كتلة عمالية قوية في أمريكا وفرنسا وإنكلترا، ليست لديها توهمات، ضد الوجود العسكري الامريكي في الخليج، لكان منع ذلك الاستعراض أمرا ممكنا برأيي.لا يمكن تأسيس أممية كهذه على أساس أفكار وتخيلات ألنزعة النقابية والاشتراكية الديموقراطية، لان الهوية القومية هي جزء لا يتجزأ من هذه التيارات، وهي تتجسد كذلك بمطاليب وسياسات دولها. أن انبثاق ذلك الصف الأممي هو من مهام الشيوعية. ولكن بالرغم من هذا فأن احداث السنة الماضية أكدت الدور المحوري لعمال أوروبا وأمريكا في الاستراتيجية العامة للثورة العمالية. وبرأيي، فأن هذا ينتقد عمليا بقايا الشعبوية وعالم ثالثية شيوعيي البلدان المتخلفة كذلك. أن عهد النضال الشيوعي المكتفي ذاتيا وانكفاء الشيوعيين على ذواتهم في إطار وطنهم، حتى وان كان يملك شيئا من الواقعية في الأساس، فقد ولى اليوم بصورة ملموسة. أن إمكانية استعداد قوة كقوتنا في بلد معين، بل وحتى وصول العمال إلى السلطة في هذا البلد أو ذاك، يمكن أن يكون عملا حاسما ومؤثرا من الناحية التاريخية فقط إذا تمكن من دفع قوة من جيش أممي اكبر إلى المسرح واقعيا وعمليا، والذي تعتبر البلدان الصناعية المتطورة مراكزه الأساسية. من واجبنا، كشيوعيين، أن نتدخل مباشرة في الحياة الاشتراكية العمالية في هذه البلدان. أن إمكانياتنا لعمل المزيد على صعيد بلد معين يجب أن يكون في نفس الوقت وسيلة للتدخل المباشر أيضا، لا يجوز أن يصبح العامل الفرنسي الذي تخنقه قبضة الأحزاب الفرنسية البرلمانية اليمينية واليسارية البرجوازية جزء من الجيش اللجب في استعراض الديموقراطية، ويبرز شخص في إيران وماليزيا وبيرو لإنقاذ الشيوعية. وبكلمة واحدة، اعتقد بأنه يجب أن ينظر إلى استراتيجية الثورة العمالية أساسا على صعيد عالمي، وأن تحدد الوظائف المحلية للشيوعيين في خضم ذلك.


* ويقصد بها الانقلاب الذي قام به انصار النظام القديم الذي جرى في الكرملين في خريف عام ١٩٩١.

تمت الترجمة عن جريدة "عامل اليوم"، جريدة عمالية اممية تصدر باللغتين الفارسية والانكليزية، العدد ١٧، الصادر في خريف ١٩٩١.


ترجمة جلال محمد
hekmat.public-archive.net #3440ar.html